سورة الزمر - تفسير تفسير الخازن

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الزمر)


        


{فأصابهم سيئات ما كسبوا} أي جزاؤها وهو العذاب ثم أوعد كفار مكة فقال تعالى: {والذين ظلموا من هؤلاء سيصيبهم سيئات ما كسبوا وما هم بمعجزين} أي بفائتين لأن مرجعهم إلى الله تعالى: {أو لم يعلموا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء} أي يوسع الرزق لمن يشاء {ويقدر} أي يقتر ويقبض على من يشاء {إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون} أي يصدقون.
قوله تعالى: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله} روي عن ابن عباس رضي الله عنهما في سبب نزول هذه الآية «أن ناساً من أهل الشرك قتلوا فأكثروا وزنوا فأكثروا وانتهكوا الحرمات فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا محمد إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن لو تخبرنا بأن لما عملنا كفارة فنزلت والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر إلى قوله فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات قال يبدل شركهم إيماناً وزناهم إحصاناً ونزلت {قل يا عبادي الذي أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله}» أخرجه النسائي. وعن ابن عباس أيضاً قال: «بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وحشي يدعوه إلى الإسلام فأرسل إليه كيف تدعوني إلى دينك وأنت تزعم أن من قتل أو أشرك أو زنى يلق أثاماً يضاعف له العذاب وأنا قد فعلت ذلك كله فأنزل الله تعالى: {إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً} فقال: وحشي هذا شرط شديد لعلي لا أقدر عليه فهل غير ذلك فأنزل الله تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} فقال وحشي أراني بعد في شبهة فلا أدري أيغفر لي أم لا فأنزل الله تعالى: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله} فقال وحشي نعم هذا فجاء فأسلم» وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال نزلت هذه الآيات في عياش بن أبي ربيعة والوليد بن الوليد ونفر من المسلمين كانوا قد أسلموا ثم فتنوا وعذبوا فافتتنوا فكنا نقول لا يقبل الله من هؤلاء صرفاً ولا عدلاً أبداً قوم أسلموا ثم تركوا دينهم لعذاب عذبوا به فأنزل الله تعالى هذه الآية فكتبها عمر بن الخطاب رضي الله عنه بيده ثم بعث بها إلى عياش بن أبي ربيعة والوليد بن الوليد وإلى أولئك النفر فأسلموا جميعاً وهاجروا. وعن ابن عمر أيضاً قال كنا معشر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نرى أو نقول ليس شيء من حسناتنا إلا وهي مقبولة حتى نزلت {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم} فلما نزلت هذه الآية قلنا ما هذا الذي يبطل أعمالنا فقلنا الكبائر والفواحش قال فكنا إذا رأينا من أصاب شيئاً منها قلنا هلك فنزلت هذه الآية فكففنا عن القول في ذلك وكنا إذا رأينا من أصحابنا من أصاب شيئاً من ذلك خفنا عليه وإن لم يصب منها شيئاً رجونا له وقوله: {أسرفوا على أنفسهم} أي تجاوزوا الحد في كل فعل مذموم قيل هو ارتكاب الكبائر وغيرها من الفواحش {لا تقنطوا من رحمة الله} أي لا تيأسوا من رحمة الله والقنوط من رحمة الله والأمن من مكر الله من الكبائر {إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم} فإن قلت حمل هذه الآية على ظاهرها يكون إغراء بالمعاصي وإطلاقاً في الإقدام عليها وذلك لا يمكن.
قلت المراد منها التنبيه على أنه لا يجوز أن يظن العاصي أنه لا مخلص له من العذاب، فإن اعتقد ذلك فهو قانط من رحمة الله إذ لا أحد من العصاة إلا ومتى تاب زال عقابه وصار من أهل المغفرة والرحمة فمعنى قوله: {إن الله يغفر الذنوب جميعاً} أي إذا تاب وصحت التوبة غفرت ذنوبه ومن مات قبل أن يتوب فهو موكول إلى مشيئة الله تعالى فإن شاء غفر له وعفا عنه وإن شاء عذبه بقدر ذنوبه ثم يدخله الجنة بفضله ورحمته فالتوبة واجبة على كل أحد وخوف العقاب مطلوب فلعل الله تعالى يغفر مطلقاً ولعله يعذب ثم يعفو بعد ذلك والله أعلم.
فصل في ذكر أحاديث تتعلق بالآية:
روى ابن مسعود رضي الله عنه أنه دخل المسجد فإذا قاصّ يقص وهو يذكر النار والأغلال فقام على رأسه فقال لم تقنط الناس ثم قرأ: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً} عن أسماء بنت يزيد قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً} ولا يبالي أخرجه الترمذي، وقال حديث حسن غريب.
(ق) عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كان في بني إسرائيل رجل قتل تسعة وتسعين إنساناً ثم خرج يسأل هل له توبة فأتى راهباً فسأله فقال هل لي من توبة قال لا فقتله وجعل يسأل فقال له رجل ائت قرية كذا وكذا فأدركه الموت فضرب صدره تخوفاً فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب فأوحى الله تعالى إلى هذه أن تقربي وأوحى الله إلى هذه أن تباعدي وقال قيسوا ما بينها فوجد أقرب إلى هذه بشبر فغفر له» لفظ البخاري ولمسلم قال: «فدل على راهب فأتاه فقال له إن رجلاً قتل تسعة وتسعين نفساً فهل له من توبة فقال لا فقتله فكمل به مائة، ثم سال عن أعلم أهل الأرض فدلَّ على رجل عالم فقال إنه قتل مائة نفس فهل له من توبة قال نعم ومن يحول بينه وبين التوبة انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن بها أناساً يعبد ون الله تعالى فاعبد الله معهم ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء فانطلق حتى إذا كان نصف الطريق أتاه الموت فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب فأوحى الله إلى هذه أن تقربي وإلى هذه أن تباعدي وقال قيسوا ما بينهما فأتاهم ملك في صورة آدمي فجعلوه بينهم فقال قيسوا ما بين الأرضين فإلى أيهما كان أدنى فهو له فقاسوا فوجدوه أدنى إلى الأرض الذي أراد فقبضته ملائكة الرحمة».
(ق) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال.


{وأنيبوا إلى ربكم} أي ارجعوا إليه بالتوبة والطاعة {وأسلموا له} أي أخلصوا له التوحيد {من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون} أي لا تمنعون منه {واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم} يعني القرآن لأنه كله حسن ومعنى الآية على ما قاله الحسن الزموا طاعة الله واجتنبوا معصيته فإنه أنزل في القرآن ذكر القبيح ليجتنب وذكر الأدون لئلا يرغب فيه وذكر الأحسن لتؤثره وتأخذ به وقيل الأحسن إتباع الناسخ وترك العمل بالمنسوخ {من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون} يعني غافلين عنه.


{أن تقول نفس} أي لئلا تقول وقيل معناه بادروا واحذروا أن تقول وقيل خوف أن تصيروا إلى حال أن تقول نفس {يا حسرتى} أي يا ندمي ويا حزني والتحسر الاغتمام والحزن على ما فات {على ما فرطت في جنب الله} أي على ما قصرت في طاعة الله، وقيل في أمر الله وقيل في حق الله وقيل على ما ضيعت في ذات الله وقيل معناه على ما قصرت في الجانب الذي يؤدي إلى رضا الله تعالى: {وإن كنت لمن الساخرين} أي المستهزئين بدين الله وبكتابه وبرسوله وبالمؤمنين قيل لم يكفه أن ضيع طاعة الله حتى سخر بأهلها {أو تقول لو أن الله هداني} أي أرشدني إلى دينه وطاعته {لكنت من المتقين} أي الشرك {أو تقول حين ترى العذاب} أي عياناً {لو أن لي كرة} أي رجعة إلى الدنيا {فأكون من المحسنين} أي الموحدين ثم أجاب الله تعالى هذا التأويل بأن الأعذار زائلة والتعليل باطل.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7